المثل في سياقه الشعبي
يعتبر المثل الشعبي المغربي "جزار ومعشي باللفت" واحدًا
من التعابير الدارجة التي تلخص في جملة قصيرة تناقضات الواقع الاجتماعي، حيث يحمل
دلالة ساخرة على المفارقات بين المهنة أو الوضع الاجتماعي للشخص، وما يعيشه من
ظروف حقيقية. المثل يشير إلى الجزار، الذي يُفترض أن يكون مصدرًا للحوم واللحوم
الحمراء، لكنه في النهاية يتعشى باللفت، وهو نوع من الخضروات زهيدة الثمن مقارنة
باللحوم.
هذا المثل، مثل غيره من الأمثال
المغربية، يعكس حالة المفارقة بين المظهر والواقع، وبين الإمكانيات النظرية والوضع
المعيشي الفعلي، وهو ما يجعله حاضرًا في الكثير من المواقف اليومية، سواء في
النقاشات الساخرة أو التحليل العميق للواقع المغربي.
دلالات المثل: عندما يكون الواقع غير
متطابق مع الصورة الظاهرة
🔹 الازدواجية
بين الواقع والمهنة: المثل يرمز إلى الشخص الذي يبدو أنه في وضع
اقتصادي جيد أو يمتلك موارد مهمة، لكنه في الحقيقة يعيش حياة متواضعة أو حتى صعبة.
يمكن أن ينطبق ذلك على التاجر الذي لا يستطيع توفير حاجياته الأساسية، أو صاحب
متجر فاخر يعيش ضائقة مالية.
🔹 الإشارة
إلى عدم الاستفادة من الموارد المتاحة: يعكس المثل أيضًا فكرة أن بعض الأشخاص رغم
توفرهم على فرص أو إمكانيات كبيرة، إلا أنهم لا يستفيدون منها لأنفسهم. كالجزار
الذي يبيع اللحم لكنه لا يستطيع أكله، أو الفلاح الذي يزرع الخضر لكنه يبيعها
بأبخس الأثمان بينما لا يجد ما يأكله في بيته.
🔹 النقد
الاجتماعي والسخرية: يستخدم المثل غالبًا للتعبير عن سخرية الواقع
الاجتماعي، خصوصًا عندما يكون هناك خلل في توزيع الثروات أو عندما يكون الشخص غير
قادر على الاستفادة مما يملكه، سواء بسبب الفساد، أو الظروف الاقتصادية، أو حتى
سوء التدبير الشخصي.
المثل في الحياة اليومية والمجتمع المغربي
في المغرب، يتم استخدام المثل في مواقف
مختلفة، حيث يمكن أن ينطبق على:
✔️
الموظف الذي يعمل في قطاع اقتصادي مهم
لكنه يعاني من وضع مالي صعب.
✔️
التاجر الذي يمتلك سلعة ثمينة لكنه لا
يستطيع الاستفادة منها لنفسه.
✔️
صاحب مطعم فاخر يأكل أحيانًا وجبات
بسيطة وغير مكلفة.
✔️
المزارع الذي يبيع أجود المحاصيل لكنه
يستهلك القليل منها بسبب ارتفاع التكاليف.
كما يستعمل المثل أيضًا في السياسة
والاقتصاد، حيث يُقال عن الدول التي تمتلك موارد غنية لكنها تعاني من مشاكل
اقتصادية، أو عن القطاعات المنتجة التي لا يستفيد العاملون فيها من ثمار مجهودهم.
قراءة حديثة للمثل: هل ما زال ينطبق
اليوم؟
مع تطور الاقتصاد المغربي وانتشار وسائل
التواصل الاجتماعي، يمكن القول إن المثل لا يزال حاضرًا بقوة لكنه أصبح يُستخدم بشكل
أكثر سخرية وانتقادًا. ففي زمن التضخم وغلاء الأسعار، يمكن أن يكون الجزار
نفسه غير قادر على شراء اللحم، والطبيب لا يستطيع تحمل تكاليف العلاج، وصاحب
المقهى لا يستطيع دفع ثمن قهوته في مكان آخر.
كما أن المفهوم توسع ليشمل التفاوتات
الطبقية والاقتصادية، حيث يمكن إسقاطه على حالات عديدة مثل الشركات الكبرى التي
تحقق أرباحًا ضخمة لكن موظفيها يعانون من تدني الأجور، أو على الأسر التي تعمل في
مجالات مربحة لكنها تعاني بسبب غلاء المعيشة.
خلاصة: المثل الشعبي كمرآة للواقع
المغربي
"جزار ومعشي باللفت" ليس مجرد مثل دارج، بل
هو انعكاس لواقع اجتماعي يعبر عن المفارقات بين الإمكانيات المتاحة والواقع
المعيشي. وهو شاهد على ذكاء المغاربة في اختزال الأوضاع
الاجتماعية في عبارات موجزة وذات معنى عميق.
ومع استمرار هذه التناقضات، يظل المثل
حاضرًا بقوة في النقاشات اليومية، سواء للتعبير عن السخرية من الظروف الاقتصادية،
أو كتحليل ناقد للحالة الاجتماعية التي يعيشها كثيرون في المغرب اليوم.
فهل تعتقد أن هذا المثل لا يزال يعكس
واقع المجتمع المغربي؟ أم أن التغيرات الاقتصادية والاجتماعية جعلت معناه يتغير؟ 🤔