JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

الصفحة الرئيسية

الكبد في الثقافة المغربية : لماذا يعبر المغاربة عن مشاعرهم من الكبد بدل القلب ؟

 




في الوقت الذي تحتفي فيه معظم الثقافات العالمية بالقلب كمركز للمشاعر والحب والحنين، يتميز المغاربة بتوجه مختلف تمامًا، إذ يرون أن "الكبدهي العضو المسؤول عن العاطفة والارتباط العميق، بينما يظل القلب في المخيلة الشعبية مجرد عضو وظيفي لا علاقة له بالوجدان، بل يرتبط غالبًا بالأمراض والمخاوف الصحية.

"الكبدة"... تعبير مغربي خالص عن الحب

يقول المغربي بحب ودفء: "كنبغيك بحال كبدتيأو "هذا ولدي كبدتي"، وهو تعبير يحمل في طياته معاني التضحية والحب العميق، إذ تُعتبر الكبد أكثر الأعضاء حيوية وحساسية، والإنسان لا يستطيع العيش بدونها، تمامًا كما لا يستطيع الاستغناء عن من يحبهم بصدق. هذا التصور ليس وليد الصدفة، بل هو متجذر في الثقافة الشعبية المغربية، حيث ينظر الناس إلى الكبد كأغلى ما يمكن أن يملكه الإنسان، باعتبارها "جوهر الحياة" و"مركز المشاعر الصادقة".

القلب... مصدر الأمراض وليس الأحاسيس

على النقيض، يحمل القلب في المخيال الشعبي المغربي صورة مغايرة، فهو العضو الذي "ينفجر" عند الغضب، و"يتوقف" عند الصدمة، و"يضغط" عند التوتر. لا عجب إذن أن يكون التعبير الشائع عند الإصابة بأزمة قلبية هو "جاني الباكور في قلبي"، في إشارة إلى نوبة قلبية حادة، وكأن هذا العضو لا يؤدي سوى وظيفة ميكانيكية قابلة للتوقف عند أي اختلال. كما أن عبارة "قلبي راه عامرتُستخدم للإشارة إلى الحزن والهم، مما يعكس نظرة سلبية إلى القلب كوعاء للألم، لا للحب والمشاعر.

من أين جاءت هذه النظرة؟

يعود هذا التصور إلى عمق التراث المغربي، حيث كان المغاربة القدماء يربطون بين الصحة العاطفية والجسدية بالكبد أكثر من القلب. في الطب التقليدي، لطالما كان يُنظر إلى الكبد كعضو حيوي مسؤول عن تصفية الدم وتجديد الحياة، بينما كان القلب يُعتبر هشًا وسريع العطب. كما أن التأثيرات الأندلسية والعربية القديمة عززت هذا التصور، حيث كانت بعض النصوص الطبية التقليدية تركز على أهمية الكبد في "صناعة الدم والحياة"، بينما كان القلب موضع تحذيرات طبية مستمرة.

هل تغيرت النظرة اليوم؟

رغم انتشار الطب الحديث وتطور فهم الإنسان لوظائف الجسم، لا يزال المغاربة يحتفظون بهذه العادة اللغوية والتعبيرية في حياتهم اليومية. حتى مع انفتاح الجيل الجديد على ثقافات أخرى تربط المشاعر بالقلب، تظل عبارة "كبدتيالأكثر تعبيرًا عن الحب الصادق، وكأنها تحمل في طياتها معاني أكبر من مجرد عضو بيولوجي، بل تعكس فلسفة شعبية ترى في الحب تضحيةً بالحياة نفسها، تمامًا كما لا يستطيع الإنسان العيش بدون كبده.

في النهاية، سواء كان القلب هو من يحب أو الكبد، يبقى الأهم أن المغاربة نجحوا في خلق لغة خاصة بهم للتعبير عن أعمق المشاعر، لغة تتجاوز المفاهيم الطبية لتروي قصة ثقافة بأكملها.

الاسمبريد إلكترونيرسالة