JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

الصفحة الرئيسية

فن العيطة المغربية: صوت الأرض والوجدان الشعبي

 




من الجذور القبلية إلى العالمية

يُعد فن العيطة أحد أبرز ألوان الغناء الشعبي المغربي، حيث يجسد هذا الفن صوت البادية ويحمل في طياته ذاكرة تاريخية واجتماعية غنية تعبّر عن مآسي الناس، أفراحهم، ونضالاتهم. العيطة ليست مجرد لون غنائي، بل هي تاريخ يُروى عبر الألحان والكلمات، ولطالما اعتبرت مرآةً للمجتمع، تعكس تطلعاته وهمومه.

الجذور التاريخية لفن العيطة

يعود أصل العيطة إلى المجتمعات القبلية المغربية، حيث كان الغناء يُؤدى في المناسبات الاحتفالية والمواسم الفلاحية وأيضًا كأداة للتحريض في فترات المقاومة ضد الاستعمار. في اللغة، تعني "العيطة" النداء أو الصرخة، وهو ما يتماشى مع مضمون هذا الفن الذي يعتمد على الغناء الجماعي القوي، وكأنه نداء للأرض والتاريخ.

ظهر هذا الفن في المغرب وتطور عبر الزمن، متأثرًا بالتحولات السياسية والاجتماعية التي شهدها المغرب. وكان لفناني العيطة دور كبير في نقل القصص الشعبية والتاريخية، ما جعله يُصنف ضمن التقاليد الشفوية التي شكلت جزءًا من الذاكرة الجماعية للمغاربة.

أنواع العيطة المغربية

تنقسم العيطة إلى عدة أنواع، تختلف حسب المنطقة والبيئة الثقافية التي نشأت فيها، ومن أبرزها:

🔹 العيطة الحصباوية: وهي أقدم أنواع العيطة، نشأت في المناطق الساحلية وبالضبط في عبدة ودكالة، وتتميز بإيقاعها الحزين وكلماتها العميقة التي تحكي عن الحب والفراق والمآسي.

🔹 العيطة الجبلية: نشأت في شمال المغرب، خاصة في مناطق جبالة، وتتميز بإيقاعاتها السريعة وأدائها الحماسي، حيث كانت تؤدى أثناء الحروب والثورات الشعبية.

🔹 العيطة المرساوية: ازدهرت في مدن الشمال والساحل، خاصة في الدار البيضاء والجديدة، وتعتبر مزيجًا بين الإيقاع الإفريقي واللون المغربي الأصيل، حيث تعكس تأثيرات البحر والحياة الحضرية.

🔹 العيطة الزعرية: مرتبطة بقبائل زعير القريبة من الرباط، وتشتهر بنصوصها القوية التي تتحدث عن الهوية القبلية والحياة الرعوية.

🔹 العيطة الحوزية: تنتمي إلى منطقة الحوز بمراكش وتتميز بطابعها الصوفي وقربها من موسيقى الملحون، حيث تستلهم كلماتها من المديح والتغني بالحب الروحي.

رواد فن العيطة: من شيوخ القبائل إلى نجوم الساحة

كان لفن العيطة رواد بصموا المشهد الفني المغربي وساهموا في تطويره ونشره على نطاق واسع. ومن بين أبرز هؤلاء:

الحاجة الحمداوية: أيقونة العيطة المغربية، والتي ساهمت في تحديث العيطة وإيصالها إلى جيل الشباب، بأداء قوي وكاريزما استثنائية.

الحاج محمد العروسي: من أعمدة العيطة الجبلية، أغانيه توثق التاريخ الشفوي للمناطق الشمالية وتعكس روح المقاومة.

 فاطنة بنت الحسين : استطاعت أن تحمل لواء العيطة النسائية، ونجحت في تقديم العيطة المرساوية و الحصباوية  بأسلوبها الخاص.

 الدعباجي : أحد أبرز وجوه العيطة الحصباوية، حيث ساهم في الحفاظ على الطابع الأصيل لهذا الفن.

قصائد خلدها فن العيطة

تعتمد العيطة على الكلمة الشعرية الزجلية، حيث تعكس نصوصها قصص الحب، الفراق، المقاومة، والاحتجاج الاجتماعي. ومن بين أشهر القصائد التي ظلت خالدة:

"حاضي رأسك يا لالة": قصيدة تحذيرية للمرأة، تعكس قيم الشرف والحذر في المجتمع.

"حنا ماشي ولاد الناس": أغنية شهيرة تفضح الفوارق الاجتماعية، وتعكس التناقضات بين الطبقات.

"زيدني زيدني فالكاس": واحدة من الأغاني التي تحمل دلالات الحب والوجدان العاطفي.

العيطة اليوم: بين الأصالة والتحديث

رغم مرور العيطة بتحولات عديدة، إلا أنها ما زالت تحظى بشعبية واسعة، خاصة مع ظهور فنانين شباب يحاولون إعادة إحيائها بأساليب حديثة، تمزج بين الإيقاع العصري وروح العيطة التقليدية.

وقد ساهمت مهرجانات مثل "مهرجان العيطة" في آسفي في الحفاظ على هذا التراث، حيث يجتمع الفنانون سنويًا لإعادة تقديم العيطة بأساليب متنوعة، وإعادة الاعتبار لهذا اللون الغنائي الفريد.

ختامًا: العيطة.. ذاكرة شعبية لا تموت

فن العيطة ليس مجرد غناء، بل هو صوت المجتمع المغربي الذي يحمل في طياته حكايات الحب، الألم، والفرح. ورغم كل التحولات، يبقى هذا الفن مكونًا أساسيًا من الهوية الموسيقية المغربية، حيث يواصل إبهار الأجيال وإحياء الماضي بأسلوب معاصر.

فهل ستظل العيطة محافظة على أصالتها أمام موجة التحديث؟ سؤال يظل مفتوحًا أمام المستقبل، لكنه يبقى شاهدًا على قوة التراث الشعبي في مقاومة النسيان. 🎶🔥🎤

الاسمبريد إلكترونيرسالة